من أجمل ما قرأت

فطنةٌ ورجاحة عقلٍ وسرعة بديهة:
أودع رجلٌ عقداً ثميناً أمانةً عند عطّارٍ فلمّا طلبه منه أنكر العطّار، فشكاه الرّجل إلى الخليفة العباسي عضد الدولة فقال له الخليفة: "اذهب واقعد أمام دكّان العطّار ولا تكلّمه، وافعل ذلك ثلاثة أيّام، وفي اليوم الرّابع سأمرّ عليك أنا وبعض رجالي، وسأنزل عن فرسي، وأسلّم عليك فرُدَّ عليّ السّلام وأنت جالسٌ، وإذا سألتك سؤالاً أجب عليّ ولا تزد شيئاً، وإذا انصرفت ذكِّر العطّار بالعقد، وفي اليوم الرّابع مرّ الخليفة على الرّجل، ونزل عن فرسه، وسلّم عليه، وقال له: لم أركَ من مدّة ؟! فقال الرّجل سأمرّ عليك قريباً، فلمّا انصرف الخليفة نادى العطّار الرّجل وقال له: صف لي العقد الذي تتحدّث عنه، فوصفه الرّجل فقام العطّار وفتّش دكانه وأحضر العقد، فأخذه الرّجل، وذهب إلى الخليفة، فأحضر الخليفة العطّار وعاقبه على خيانته.
أبو نوّاس وجنان:
إنّ جنان هي اسم عشيقة أبو نوّاس وهي تقريباً المرأة الوحيدة التي أخلص لها أبو نوّاس على الرّغم من أنّه كان رجلاً متقلّب الهوى، وهنا تختلف القصّة عن بقيّة القصص في أنّ الهيام ليس كذلك الأبديّ الذي يؤدي للحتف، وقد أنشد في محبوبته تلك الأبيات:
حامل الهوى تعبٌ *** يستخفّه الطربُ
إن بكى يحقّ له *** ليس ما به لعبٌ
تضحكين لاهيةً *** والمحبّ ينتحبُ
حامل الهوى تعبٌ *** يستخفّه الطربُ
إن بكى يحقّ له *** ليس ما به لعبٌ
تضحكين لاهيةً *** والمحبّ ينتحبُ
تواضع العرب:
يُحكى أنّه كان هناك رجلٌ يسعى بين الصّفا والمروة راكباً على فرسه، وكان بين يديه غلمان وعبيد كثر يقومون بتوسيع الطّريق أمامه بعنفٍ وقوّة، فثار النّاس وغضبوا كثيراً، وكان الرّجل فارع الطّول واسع العينين، وبعد مرور عدّة سنواتٍ رآه أحد الحجّاج الذين زاملوه وهو يتكفّف النّاس على جسر بغداد، فتعجب الحاجّ من عمله وقال له: ألست أنت نفس الرّجل الذي كان يحجّ على فرسه في سنة كذا، وكان بين يديك الكثير من العبيد تُوسّع لك الطّريق ضرباً؟ فقال الرجل: بلى، فقال الحاجّ: وكيف وصل بك الحال إلى هنا؟ قال الرجل: تكبّرت في مكانٍ يتواضع فيه العظماء، فأذلّني اللّه في مكانٍ يتعالى فيه الأذلّاء.
القاضي والخادم:
كان في بغداد قاضٍ، وفي يوم من الأيام لم يكن عنده ما ينفقه، فقال لخادمه: اخرج وانظر هل تجد أحداً له دعوى ولو كانت ميتةً أو ديْناً على أحدٍ ولو هالكاً أو شيئاً يتشبّث به، فأتاني به، فخرج الخادم فلم يجد أحداً له حجّةً وعاد إلى القاضي فقال له: اخرج وائتني بأوّل من تراه أياً كان، فخرج ثانيةً فرأى رجلاً فقال له: القاضي يريدك، فقال الرجل: ليس لي معه شأنٌ، فقال الخادم: إنّه يريدك ولابد من إجابته، فدخل الرّجل على القاضي فقال له: هل لك دعوى على أحدٍ؟ فردّ الرّجل لا يا سيدي. فقال القاضي: هل عليك دعوى لأحدٍ؟ فقال: لا، قال القاضي: هل لك دينٌ على أحدٍ حتى نحصّله لك؟ قال الرجل: لا، فقال القاضي: هل ورثت ميراثاً يحتاج إلى قسمةٍ فنقسّمه لك؟ فقال: لا يا سيدي، فلمّا أعيا القاضي الأمر قال لكاتبه: اكتب له إعلاماً شرعيّاّ بأنّه ليس مدّعياً ولا مدّعى عليه، وقال للرجل: خذ هذا الإعلام، فأخذه، وألزمه بدفع رسمه فدفعه فأعطاه للخادم، وقال: اذهب إلى السوق واشتر به لوازم البيت.
الأيدي المبتورة:
سأل جماعةٌ من النّاس في السّوق رجلاً شديد البخل لا يتصدّق على الفقراء، ولا يعطي مسكيناً قرشاً واحداً أو لأحدٍ أيّ طعامٍ، فقالوا له: قل لنا ما أحسن الأيادي التي تحبّ أن تتناول معك الطعام يا شيخ؟ ردّ الرّجل عليهم قائلاً: الأيادي المبتورة فهي لن تستطيع تناول الطعام ولا مدّها في الصّحن، لذلك هي أفضل الأيادي التي أحبّ أن تشاركني الطعام.